الأب : بل وفى الدنيا أيضًا يا " سمية " ، وسينصر الله جنده ، جند الحق.
ولقد ذكّرني موقف الراهب هذا بحديث لرسول الله ﷺ – حين شكى إليه الصحابة ما يلاقونه من تعذيب على أيدي المشركين فى مكة ، وقالوا : يا رسول الله ألا تستنصر ؟ ألا تدعو لنا ؟ فقال ﷺ: " قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له فى الأرض فيجعل فيها ، ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ، ما يبعده ذلك عن دينه . والله ليتمن الله تعالى هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ، فلا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ، ولكنكم قوم تستعجلون " ( أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي) .
أحمد : وقد وقع ما أخبر به رسول الله ﷺ.
عبد الرحمن : ثم ماذا حدث بعد أن قتل الملك الراهب ؟
الأب : بعد أن قتل ذلك الملك هذا الراهب الطيب ، جاء بجليسه فقال له : إرجع عن دينك ، فأبى جليس الملك ، فوضع المنشار فى مفرق رأسه فشقه نصفين ، ووقع نصفاه .
... ثم جيء بالغلام ، فقال له الملك : إرجع عن دينك ، وعندما رفض الغلام أن يرجع عن دينه ، نادى الملك حرّاسه ، وقال لهم : خذوا هذا الغلام إلى جبل كذا وكذا ، فاصعدوا به الجبل فإذا بلغتم ذروته ، فإن رجع عن دينه وإلا ألقوه من فوق قمة الجبل .
.. وذهب الحراس بالغلام إلى قمة الجبل ، وهناك دار حوار بين الغلام وبينهم .
الحراس : فكّر جيدًا ، إن لم ترجع عن دينك سنلقي بك من هذه القمة الشاهقة .
الغلام : أيها الحراس ، أنتم أهلي وعشيرتي .. إني أدعوكم إلى التوبة والعودة إلى الله ، فإن مما جاءني من العلم أن العذاب على من كذّب وتولى ، وأن من حارب الله قصمه وانتقم منه ، ومن آذى جند الله أذله الله .
الحراس : الله .. ها ها .. ها ها .. لو جاء إلهك هنا لألقيناه معك من فوق قمة الجبل .. ها ها .. ها ها .
الغلام : أشهد أن لا إله إلا الله .. اللهم اكفنيهم بما شئت .
... وهنا ، رجف الجبل فسقط الحرّاس ، وعاد الغلام سالمًا إلى الملك !!
الأب : ماذا نتعلم من هذا الموقف للغلام يا " عبد الرحمن " ؟
عبد الرحمن : نتعلم أن المؤمن لا يخاف إلا الله ، ولا يطلب العون إلا منه سبحانه .
أحمد : ولكنّ الغلام كان يستطيع الهرب بعد أن أنجاه الله ، فلماذا رجع إلى الملك ولم يهرب ؟
الأب : هذا سؤال طيّب يا " أحمد " . إن من يحمل الحق لا تكون الحياة هدفًا يحرص عليه إلا ليتم دعوة الحق التى يحملها ، وقد شعر الغلام أن دعوته إلى الله رب العالمين لم تصل بعد إلى قومه ، وذلك لأن الملك كان يحاول صد الناس عن هذه الدعوة من خلال تصوير الغلام على أنه يحاول الوصول إلى أن يكون هو الملك والحاكم ، وأنه لذلك يقتله دفاعًا عن نفسه وعن ملكه ..
عبد الرحمن : لو كان الغلام يطمع فى الملك والحكم لهرب عند أول فرصة يجدها ، أليس كذلك يا أبي ؟
الأب : بلى يا " عبد الرحمن " .. فتح الله عليك .
سميّة : وماذا بعد أن عاد الغلام إلى الملك يا أبي ؟
الأب : سأله الملك عمّا حدث للحرّاس ، فأخبره الغلام أن الله قد كفاه شرهم.
... وهنا حاول الملك مساومة الغلام مرة أخرى ، وقال فى لهجة هادئة : لماذا تريد أن تحرّض رعيتي على الخروج عن طاعتي والتمرد على أوامري ؟
فقال الغلام : ليس هذا ما أريده وأدعو الناس إليه ، إنما أدعوهم إلى عبادة الله وحده .. بل إن الله يأمرني بطاعة الحاكم الذى يطبق شريعة الله .
الملك : شريعة من ؟ .. شريعة الله .. أي إله ؟ .. وأية شريعة ؟ .. أنا المشرّع الوحيد ، ولا شريعة إلا ما أراه ، وشريعتي أنا هي الشريعة الوحيدة التى تصلح أحوال الناس ، وطريقتي أنا هي السبيل الوحيد للرشاد !!
الغلام : لا مشرّع إلا الله .. ولا شريعة إلا شريعة الله .. والله تعالى هو الأعلم بما يصلح خلقه ، وطريق الله هو الطريق الأوحد للرشد والخير .
الملك : إذن ، فأنت تريد أن تموت ..
الغلام : بل أريد أن أحيا حياة طويلة أبلّغ فيها دعوة الله ، وأطيعه وأعبده ليغفر لي خطاياي ، وما أكرهتني عليه من السحر .
الملك : سأقتلك كما قتلت جليسي والراهب .
الغلام : إفعل ما تريد ، فلست أخشى الموت فى سبيل ديني .. ولقد سبقني جليسك والراهب شهداء ، ويعلم الله أنني فى غاية الشوق أن ألحق بهم.
أحمد : ياله من غلام مؤمن شجاع .
الأب : هل يذكرّك هذا الموقف بحديث لرسول الله يا " أحمد " ؟
أحمد : لا أذكر يا أبي ؟!
عبد الرحمن : أنا أذكر يا أبي . قال رسول الله ﷺ: "سيد الشهداء حمزة ، ورجل قام إلى إمام ظالم ، فأمره ونهاه فقتله " ( أخرجه الحاكم فى المستدرك 195/ 3 ) .
الأب : فتح الله عليك يا " عبد الرحمن " إني فخور بك .
وأنت يا " أحمد " هل تستطيع أن تضع عنوانًا لكلام الغلام مع الملك ، وموقفه الشجاع ؟
أحمد : يمكن أن يكون العنوان " الدين أغلى من الحياة " .
الأب : بارك الله فيك يا " أحمد " .
سمية : إنني فى شوق أن أعرف ماذا حدث بعد هذا الكلام بين الغلام والملك؟
الأب : بعد كلام الغلام مع الملك ، نادى الملك حرّاسه ، وأمرهم أن يأخذوا الغلام فى سفينة صغيرة فيتوسطوا به البحر ، فإن رجع عن دينه وإلا قذفوه فيه .
... وذهب الحرّاس لتنفيذ أمر الملك ، وحين أصبحوا فى عرض البحر ، عرض عليهم الغلام التوبة ، والرجوع إلى عبادة الله وحده ، فسخروا منه واستهزأوا من كلماته .. فدعا الغلام ربه : اللهم أكفنيهم بما شئت .
واستجاب الله دعاءه ، فانكفأت السفينة ، وغرق الحرّاس ، وأنجاه الله تعالى ، فرجع يمشي إلى الملك ، وهو يحمد الله أن أنجاه من القوم الظالمين .
عبد الرحمن : سبحان الله .. سبحان الله .. لقد أنجاه الله مرة أخرى ، ولم يقدر الملك وحرّاسه على قتله !!!
الأب : نعم يا " عبد الرحمن " ، سبحان الله الذى لا نفع ولا ضر إلا بما كتبه وقدّره ، ولقد ذكّرني هذا الموقف بحديث رسول الله ﷺ لسيدنا عبد الله بن عباس وهو لا يزال غلامًا ، والذى قال فيه : " يا غلام إنيّ أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشىء ، لم ينفعوك إلا بشىء قد كتبه الله لك ، ولو اجتمعت على أن يضروك بشىء ، لم يضروك إلا بشىء قد كتبه الله عليك . رفعت الأقلام وجفت الصحف " ( أخرجه الترمذي 2516 ، وأحمد 2669).
أحمد : إني فى شوق لمعرفة ماذا كان من الملك حين رأى الغلام راجعًا إليه سالمًا لم يصبه سوء !!
الأب : لقد سأله الملك : ماذا فعل الحراس ؟
فقال الغلام : لقد كفانيهم الله ..
ثم قال : أيها الملك إنك لن تستطيع قتلي حتى تجمع الناس فى صعيد واحد ، وتصلبني على جذع ، ثم تأخذ سهمًا من كنانتي ، ثم تضع السهم فى كبد القوس وتقول باسم الله رب الغلام ، ثم ترمني فإذا فعلت ذلك ، فإنك قاتلي .
سمية : سبحان الله .. الغلام يدل الملك على الطريقة التى تمكنه من قتله ، يا له من أمر عجيب !!!!
الأب : ليس فى الأمر ما يدعو إلى كل هذا العجب يا " سمية " .
لقد قلنا قبل ذلك أن من يحمل الحق لا يحرص على الحياة إلا من خلال كونها وسيلته ليبلغ الحق الذى يحمله ، وقد رأى الغلام أن موته فى سبيل الله سيجعل الناس يؤمنون بالله . فقد كان الناس يحبّون الغلام ، ويعرفون أنه يحب الخير لهم ، ويسعى دائمًا لما ينفعهم ، ولا شك أنهم حين يرونه يموت من أجل أن يؤمنوا بالله ، سيعلمون أن هذا الإيمان هو الخير لهم .
أحمد : وهل فعل الملك ما طلبه الغلام ؟
الأب : نعم يا " أحمد " .. لقد جمع الناس فى مكان واسع منبسط ، فأخذ بعضهم يقول لبعض : لقد فشل الملك فى قتل الغلام .. هل تصدقون أن الغلام هو الذى طلب هذا الاجتماع .. بل وهو الذى دلّ الملك على الطريقة التى تمكّنه من قتله .. عجيب أمر هذا الغلام .. ما الذي يدفعه إلى التضحية بحياته على هذه الصورة؟!!
... وجاء الملك, فأخذ السهم من كنانة الغلام ، ووضع السهم فى مقبض القوس ، ثم قال : بسم الله رب الغلام ، ثم رماه فوقع السهم فى صدغ الغلام فوضع يده فى صدغه فى موضع السهم ، فمات ..
وهنا .. قال الناس : آمنا برب الغلام !!!
فقيل للملك : أرأيت ما كنت تحذر .. قد نزل بك حذرك ، لقد آمن الناس .
.... وعند هذه النقطة ، جاء الخال الطيب " محمد " خال " أحمد " و"سمية" و" عبد الرحمن " زائرًا ..
فقالت له " سمية " : لماذا لم تأت قبل ذلك ، لقد كان أبي يحكي لنا قصة أصحاب الأخدود ..
الخال : نعم ، لقد كنت فى شوق إلى سماعها فعلًا ..
الأب : كيف حالك يا " أبا مالك "
أبو مالك : الحمد لله .. أتمم ما كنت تحكي فإن لي استفسار بعد أن تنتهي.
الأب : لقد كنا نقول أن الناس حين مات الغلام آمنوا ، فوقع بالملك ما كان يحذره .
عبد الرحمن : يا له من ملك غبي .. لو كان له قلب أو عقل لأدرك أن إيمان الناس فى هذا الموقف أمر لازم .
الأب : وهكذا كل الطغاة الجاحدين ، يظنون أنهم إذا قتلوا من يدعو الناس إلى الحق ، فإن ذلك سيقضي على دعوتهم .. وهم واهمون بالقطع لأن موت الداعي إلى الحق يكون فى كثير من الأحوال هو حياة دائمة لهذه العقيدة فى نفوس الناس وقلوبهم ..
أحمد : وهل ترك الملك الناس يؤمنون ؟ أم ماذا فعل بهم ؟
الأب : يتركهم يؤمنون ! كيف ذلك ؟ .. إن هذه ليست طريقة الطغاة ، لقد أخذ الملك يصيح ويصرخ : أيها الحرّاس .. أيها الحرّاس .. إقبضوا عليهم جميعًا .. لا تدعوا أحدًا يفلت منهم .. أحفروا لهم الأخاديد الكثيرة ثم أشعلوا فيها النيران ، ومن لم يرجع عن دينه فألقوه فيها .
.... وبدأت أفواج المؤمنين تلقى فى النار فوجًا بعد فوج ، وكان بين المؤمنين امرأة ومعها صبيّ لها فخافت عليه أن يقع فى النيران ، فقال لها الغلام : يا أمه . إصبري فإنك على الحق .
الأب : وهذه هي نهاية قصة أصحاب الأخدود .. أو قصة الغلام المؤمن والملك الجاحد .
عبد الرحمن : لقد علمتنا يا أبي أن الحق لا بد أن ينتصر ، فكيف يكون ما حدث للراهب وجليس الملك والغلام وكل الناس ، كيف يكون ذلك انتصارًا ؟!!
الأب : هل تستطيع يا " أحمد " أن تجيب عن سؤال أخيك ؟
أحمد : نعم يا أبي .. لقد فاز هؤلاء جميعًا بالشهادة فى سبيل الله ، وقد أعد الله للشهداء أجرًا عظيمًا فى الآخرة .
الأب : بارك الله فيك يا بنيّ .. والشهداء ليسوا أمواتًا بل هم أحياء عند ربهم، قال سبحانه وتعالى : ﴿ وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ الله مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ الله وَفَضْلٍ وَأَنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران:169: 170].
الأب : و الآن جاء دوري فى الأسئلة يا أبنائي الأحباء ..
أحمد وعبد الرحمن وسمية : ونحن في شوق إلي هذه الأسئلة يا أبي لأنها تفيدنا كثيراً..
الأب : حسنا .. فلنبدأ بهذا السؤال : ما هو الدرس الذي تعلمناه من هذه القصة ؟
أحمد : تعلمت أن الدين أغلى من الحياة .
عبد الرحمن : وأنا تعلمت ألا أخاف إلا الله ، ولا أطلب العون إلا منه سبحانه .
سمية : تعلمت أن أحب الخير للناس ، وأحاول مساعدتهم كما كان الغلام يفعل .
الأب : بارك الله فيكم جميعًا .
وأنت يا عبد الرحمن، هل تذكر ملكًا حاول صد الناس عن الإيمان عن طريق السحر؟
عبد الرحمن : نعم يا أبي .. إنه فرعون الذي أرسل الله إليه رسوله موسى عليه السلام ، فكذّب برسالته ، وقال عن آيات الله أنها سحر ، وأحضر سحرته فسحروا أعين الناس وأخافوهم .. ولكن الله نصر رسوله موسى ، وتحولت عصاه إلى حية أكلت كل ما أتوا به من السحر فى صورة ثعابين .
الأب : فتح الله عليك يا " عبد الرحمن " .. والله إني لفخور بك وبفهمك . بارك الله فيك يا بني ورزقك العلم النافع .
سمية: هل يمكنني أن آخذ كتاب القصص الذي فيه هذه القصة لأقرأها مع أحمد في وقت فراغه؟
الأب : إن هذه القصة ليست قصة خيالية يا سمية مكتوبة في كتاب القصص إنها قصة حقيقية.
سمية: قصة حقيقية؟!
الأب : نعم يا سمية لقد حكي الله لنا قصة أصحاب الأخدود هذه في سورة البروج، كما أخبرنا بها رسول الله ﷺ وفي حديثه الصحيح.
أحمد : أريد أن أحفظ هذه السورة يا أبي.
عبد الرحمن : نعم.. نرجو أن تقرأ لنا سورة البروج وحديث رسول الله ﷺ في شأن الغلام .
سورة البروج
بسم الله الرحمن الرحيم
وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ{1} وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ{2} وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ{3} قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ{4} النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ{5} إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ{6} وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ{7} وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ{8} الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ{9} إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ{10} إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ{11} إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ{12} إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ{13} وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ{14} ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ{15} فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ{16} هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ{17} فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ{18} بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ{19} وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ{20} بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ{21} فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ{22}.
حديث أصحاب الأخدود
عن صهيب رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال :
كان ملك فيمن كان قبلكم. وكان له ساحر, فلما كبر قال للملك: إني قد كبرت فابعث إلي غلاما أعلمه السحر،فبعث إليه غلاما يعلمه، فكان في طريقه إذا سلك راهب، فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه، فكان إذا أتى الساحر مر بالراهب وقعد إليه، فإذا أتى الساحر ضربه،, فشكا ذلك إلى الراهب،, فقال : إذا خشيتَ الساحر فقل : حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك فقل : حبسني الساحر، فبينما هو كذلك , إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس , فقال : اليوم أعلم الساحر أفضل أم الراهب أفضل , فأخذ حجرا فقال : اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس، فرماها فقتلها، ومضى الناس , فأتى الراهب فأخبره، فقال له الراهب : أي بني،أنت اليوم أفضل مني , قد بلغ من أمرك ما أرى،وإنك ستبتلى،, فإن ابتليت فلا تدل علي , وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص ,،ويداوي الناس من سائر الأدواء , فسمع جليس للملك كان قد عمي،فأتاه بهدايا كثيرة، فقال ما هاهنا لك أجمع إن أنت شفيتني , فقال إني لا أشفي أحدا ،إنما يشفي الله ، فإن أنت آمنت بالله دعوت الله فشفاك , فآمن بالله , فشفاه الله , فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس.
فقال له الملك : من رد عليك بصرك , قال : ربي , قال : ولك رب غيري , قال : ربي وربك الله , فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام , فجيء بالغلام , فقال له الملك : أي بني , قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص , وتفعل وتفعل , فقال : إني لا أشفي أحدا , إنما يشفي الله , فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب , فجيء بالراهب , فقيل له : ارجع عن دينك , فأبى , فدعا بالمنشار , فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه حتى وقع شقاه , ثم جيء بجليس الملك , فقيل له : ارجع عن دينك , فأبى , فوضع المئشار في مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه , ثم جيء بالغلام , فقيل له : ارجع عن دينك , فأبى , فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال : اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا , فاصعدوا به الجبل , فإذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه , فذهبوا به فصعدوا به الجبل , فقال : اللهم اكفنيهم بما شئت , فرجف بهم الجبل فسقطوا , وجاء يمشي إلى الملك , فقال له الملك : ما فعل أصحابك , قال : كفانيهم الله.
فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال : اذهبوا به فاحملوه في قرقور فتوسطوا به البحر , فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه , فذهبوا به فقال : اللهم اكفنيهم بما شئت , فانكفأت بهم السفينة فغرقوا , وجاء يمشي إلى الملك , فقال له الملك : ما فعل أصحابك , قال : كفانيهم الله , فقال للملك : إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به , قال وما هو , قال : تجمع الناس في صعيد واحد , وتصلبني على جذع , ثم خذ سهما من كنانتي , ثم ضع السهم في كبد القوس , ثم قل : باسم الله رب الغلام , ثم ارمني , فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني , فجمع الناس في صعيد واحد , وصلبه على جذع , ثم أخذ سهما من كنانته , ثم وضع السهم في كبد القوس , ثم قال : باسم الله رب الغلام , ثم رماه , فوقع السهم في صُدْغِهِ , فوضع يده في صُدْغِهِ في موضع السهم فمات , فقال الناس : آمنا برب الغلام , آمنا برب الغلام , آمنا برب الغلام , فأُتِيَ الملكُ فقيل له : أرأيت ما كنت تحذر , قد والله نزل بك حَذَرُكَ , قد آمن الناس , فأمر بالأخدود في أفواه السكك فخمدت , وأَضْرَمَ النيران , وقال : من لم يرجع عن دينه فأحموه فيها , أو قيل له : اقتحم ففعلوا , حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها , فتقاعست أن تقع فيها , فقال لها الغلام : يا أُمَّهِ اصبري فإنك على الحق ) .
( أخرجه مسلم في الزهد والرقائق ( 130/18 ) واللفظ له وهو عند أحمد أيضاً ( 17/6 ) ، والترمذي في التفسير رقم ( 3340 ) والنسائي في التفسير أيضاً كما في تحفة الأشراف ( 199/4 ).
جزاكم الله خيراَ
لا يسعني إلا الاعتراف بالفضل والجميل لأهله، والدعاء بخير الجزاء لأصحاب المؤلفات التي أفدت منها جميعاً وهي :
1- اتجاهات معاصرة في التربية الأخلاقية، د. ماجد عرسان الكيلاني.
2- أصحاب الأخدود ، رفاعي سرور.
3- تربية الأولاد في الإسلام، عبد الله ناصح علوان.
4- التربية الذاتية، هاشم علي أحمد.
5- تربية الأطفال في رحاب الإسلام، خولة درويش.
6- تطور مفهوم النظرية التربوية الإسلامية، د. ماجد عرسان الكيلاني
7- تفسير القرآن العظيم، أبو الفداء إسماعيل بن كثير.
8- الجولة الأخيرة، أحمد هاني محفوظ.
9- حقيقة الانتصار، د. ناصر العمر.
10- دراسات إسلامية، سيد قطب
11- صحيح مسلم بشرح الإمام يحيي بن شرف الدين النووي.
12- الفكر التربوي عند ابن تيمية، د. ماجد عرسان الكيلاني.
13- معالم في الطريق ، سيد قطب.
14- منهج التربية الإسلامية، محمد قطب.
15- منهج الفن الإسلامي، محمد قطب.