هذه السلسلة لماذا
لاشك أن الكلمة المقروءة ستظل حتى قيام الساعة مصدراً أصيلاً من مصادر تنمية صنوف المعرفة لدي الفرد المسلم . ذلك أنه ورد في آيات الله المحفوظة إلي قيام الساعة قوله تعالي : { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ {1} خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ {2} اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ {3} الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ {4} عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ {5} [ العلق ]
ومن هنا وجب علينا الاهتمام بزاد القراءة لأبنائنا، كما نهتم بمأكلهم وملبسهم حتى تنشأ أجيالنا المسلمة علي حب المعرفة، والاجتهاد في البحث عنها.
وتعد القصة من أكثر ألوان الكلمة المقروءة جاذبية للأطفال، بل إننا نستطيع أن نقول إنه لا شيء يستحوذ علي اهتمام الأطفال ما بين سن السابعة إلي العاشرة مثل قراءة القصص والاستمتاع بها.
ولأن للأسلوب القصصي تأثيرات نفسية وانطباعات ذهنية في نفس القارئ، فإنه يعد من أفضل الأساليب التي يمكن عبرها توجيه الأطفال إلي الخير والمعروف، وإبعادهم عن الشر والمنكر. ذلك أن الطفل وهو يقرأ القصة يضع نفسه في مواقف أبطالها، فيوافق أو يستنكر أو يملكه الإعجاب.. وبين إعجاب الطفل بمواقف الخير وبأصحابها، واستنكاره لمواقف الشر ولأصحابها.. بين هذا وذاك يتبني الطفل ما يتبناه أصحاب مواقف الخير ويكره أن يكون في موضع أصحاب مواقف الشر.
ومن هنا فقد مست الحاجة إلي فصص تجمع بين المتعة والتشويق، وبين الترغيب في المعروف والتنفير من المنكر. وذلك من خلال انتصار الحق علي الباطل في مواقف الجهاد في سبيل الله، والبذل من أجل العقيدة.
وعلي الرغم من الثراء غير العادي الذي يحفل به القرآن والسنة وسير تاريخ المسلمين للمواقف والأحداث، إلا أن ما كتب عنها في شكل قصص للأطفال ضئيل جداً !.
ولذلك كان لابد من محاولة في هذا الطريق، فكانت سلسلة قصص الجيل المسلم التي حاولنا أن نراعي فيها :
1- من ناحية المضمون: سهولة الفكرة ووضوحها، مع التركيز علي غرس العقيدة الصحيحة التي تثمر ــ بإذن الله ــ الأخلاق الحميدة والقيم الرفيعة.
2- من ناحية الشكل: الاهتمام بجودة الطباعة وجمال الصور، لإثارة اهتمام الطفل وتشويقه.
3- من ناحية السن: التوجه إلي الأطفال بدءاً من سن السابعة وذلك لأن الطفل لا يستطيع القراءة قبل الوصول إلي هذه السن غالباً .
أسأل الله عز وجل أن تفي هذه المحاولة ببعض المطلوب، وأن تسد جزءاً ــ ولو يسيراً ــ من الثغرة الموجودة في هذا المجال ... وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
د. محمد محمد بدري
1/1/1414هـ.
كلمة للوالدين والمربين
يري التربويون أن العملية التربوية تتكون من ثلاثة عناصر هي المربي والمنهج والمتربي... وبرغم اتفاقهم جميعاً علي أهمية المنهج، إلا أنهم يؤكدون أن المربي يلعب الدور الأكبر في عملية التربية .
ومن هنا فإننا ونحن نقدم سلسلة قصص الجيل المسلم نود التأكسد علي دور الوالدين والمربين في توصيل أفكار القصص لأطفالهم. ذلك أن المربي الحكيم هو الذي يستطيع أن يكيف عرض القصة بالأسلوب الملائم لعقلية الطفل، فيثير انتباهه ذهنياً ونفسياً مع أبطالها، ثم يبدأ في صب العبرة والعظة في مشاعره وأعماق قلبه من خلال مجموعة من التساؤلات مثل: هل يمكنك تقسيم القصة إلي أحداث مرحلية؟... هل تستطيع وضع عنوان لهذا الجزء منها ؟... ماذا فهمت من القصة؟.. وغيرها من التساؤلات التي تعمق فهم الطفل لما يقرأ وتدربه علي استنباط الأفكار والمعلومات..
وأخيراً ... نؤكد لكل أب وام مرب أن سلوك الطفل لا يتشكل من خلال القراءة والتلقين فقط، بل أيضا من خلال ممارسات وأساليب تصرف مربية!.
ولذلك فلابد أن نعلم جميعاً أن سيرنا خطوة واحدة في طريق القدوة أفضل من سيرنا عشرات الكيلومترات في متاهات التلقين والكلام.
المؤلف
.. بعد صلاة العشاء فى مسجد الحي ، عاد " أحمد " و "عبد الرحمن " مع أبيهم إلى البيت .. وبعد آداء واجباتهم المدرسية ، جاءت أختهم " سميّة " ، والتف الجميع حول الأب الذى كان يطالع أحد الكتب .
أحمد : يا أبي ، لقد كنت تروي لنا قصصًا جميلة ومفيدة ، فلماذا انشغلت عنّا هذه الأيام ، ولم تعد تروي لنا تلك القصص ؟
الأب : لم أنشغل عنكم يا أحمد ، وإنما انشغلت بكم ؟! بدراستكم وتوفير احتياجاتكم .
عبد الرحمن : انشغلت بالعمل والضيوف والقراءة المتواصلة فى العلوم المختلفة ..
سمية : والله يا أبي أنا مشفقة على عينيك من كثرة القراءة.
الأب : القراءة هامة جدًا للمسلم يا " سمية " فهي التى تنمي خبراتنا ، وتعرّفنا بما فى كون الله من الآيات ، كما أننا بالقراءة نتعرف على خبرات الأمم السابقة وعلى تاريخها ، وندرك ما يحمله لنا المستقبل من آفاق جديدة .. ويكفي أن أول آية نزلت من عند الله على رسول الله محمد ﷺ هي : " إقرأ باسم ربك الذي خلق " .
أحمد : يا أبي ، نريد أن تحكي لنا قصة .
الأب : سأحكي لكم – إن شاء الله – قصة الغلام المؤمن ، أو أصحاب الأخدود .
أحمد : الغلام المؤمن ؟!
عبد الرحمن : أصحاب الأخدود ؟!!
سمية : إنني فى شوق إلى سماع هذه القصة يا أبي .
الأب : يحكى أنه فيمن قبلنا من الأمم كان هناك ملك ، وكان لهذا الملك ساحر .. فلما كبر الساحر قال للملك : لقد كبرت ، وأرى أن ترسل إليّ بغلام لكي أعلمه السحر .
( وحدث ما طلبه الساحر ، وأرسل الملك إليه بغلام ليعلمه السحر ) .
وفى يوم من الأيام ، كان الغلام فى طريقه إلى الساحر ليتعلم السحر ، فرأى راهبًا يعيش فى كهف مهجور ، فاقترب منه الغلام ، ودار بينهما الحديث التالي :
الراهب : إلى أين تسلك هذا الطريق ؟
الغلام : إني أذهب إلى ساحر يعلمني السحر .
الراهب : هلاّ جلست إليّ فأعلمك مما علمني ربي ؟
الغلام : ومن ربك ؟
الراهب : ربي الله .
الغلام : الله .. الله ... وما الله !!!!
الراهب : الله خالق الكون وما فيه .. الله رب السماوات وما فيها من كواكب، ورب الأرض وما فيها من أحياء وجمادات .
الغلام : حدثني عن ربك أكثر أيها الراهب الطيب .
الراهب : الله هو الخالق ، فلا خالق غيره فى السماوات والأرض .. الله هو القادر ، فهو المهيمن على خلقه فى السموات والأرض ، سبحانه لا شريك له فى الخلق ، ولا فى الهيمنة على شؤون الخلق فى ملكه العريض ؛ ولذلك فإنه من الواجب علينا نحن البشر أن لا نعبد إلا هو ولا نرضى بغير حكمه وقانونه .. وذلك هو معنى قولنا : لا إله إلا الله .
الغلام : حدثني أكثر عن الله ، وعن شرعه وقانونه ؟
الراهب : يكفي ذلك اليوم ، فقد تأخرت عن موعدك مع الساحر وأخشى أن يعاقبك لتأخرك .
.... وذهب الغلام إلى الساحر الذى عنّفه لتأخره ، وضربه لكي لا يعود إلى مثل ذلك مرة أخرى .
.. وفى اليوم التالي : جلس الغلام إلى الراهب يتعلم منه دين الله ، ويتعرف على صفات الرب سبحانه وأسمائه عز وجل .. وفى نهاية الحديث شكى الغلام للراهب من ضرب الساحر له لتأخره . فقال له الراهب : إذا خشيت الساحر ، فقل لقد أخّرني أهلي ، وإذا خشيت أهلك ، فقل أخّرني الساحر !!
أحمد : أليس هذا كذبًا يا أبي ؟
الأب : هذا سؤال طيب يا أحمد . إن الكذب محرّم ولا شك ، ولكنه يجوز فى الحرب مع الكفار كما أخبر الرسول ﷺ: " لا يحل الكذب إلا فى ثلاث ، يحدث الرجل امرأته ليرضيها ، والكذب فى الحرب ، والكذب ليصلح بين الناس" (أخرجه الترمذي ، وسنده صحيح).
وقد كان الراهب فى حرب مع الملك الكافر .
سميّة : ثم ماذا حدث بعد ذلك يا أبي ؟
الأب : فى يوم من الأيام ، كان الغلام يسير فى المدينة فرأى دابة عظيمة تسد الطريق على الناس .. وحين رآه الناس وعلموا أنه غلام الساحر ، ظنوا أنه يمكنه إزاحة الدابة عن طريق السحر ، فطلبوا منه أن يساعدهم .
... وهنا قال الغلام فى نفسه : اليوم أعلم أيهما أفضل الساحر أم الراهب؟
فأخذ الغلام حجرًا فقال : اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس ، فرماها فقتلها ومضى الناس .
.... وهنا أخذت الناس الدهشة ، وقالوا : يا له من سحر عظيم !!
قال الغلام : لا .. ليس السحر هو الذى قتل الدابة ، إنما هوا لله .
قال الناس : الله !!
الغلام : نعم .. إن لهذا الكون الذى نعيش فيه خالقًا عظيمًا ، وهو الوحيد القادر على التصرف فى أمور ذلك الكون .. واجبنا نحو هذا الإله الأعظم هو عبادته وحده لا شريك له .
..... ومضى الغلام إلى الراهب ، وحكي له ماكان من أمره وأمر الدابة ، فقال له الراهب : أي بني . أنت اليوم أفضل مني ، وهذا قد يعرّضك للبلاء ، فإذا حدث ذلك فلا تدل على مكاني .
الغلام : ولماذا أتعرض للبلاء ؟
الراهب : لأنك لا تطيع إلا الله ، وهذا أمر يغضب الملك .
الغلام : الملك ؟! وماذا يضير الملك فى أنني آمنت بالله العظيم ؟!!!
الراهب : إن إيمانك بالنسبة للملك يمثل خطرًا على ملكه وسلطانه .
الغلام : كيف ذلك ؟!!
الراهب : لأن الإيمان بالله العظيم القادر يجرّد الملك من قوته الوهمية ، ويحرر الناس من العبودية له .. وهذا بالطبع يفقده سلطانه وألوهيته التى يدّعيها .
.... خرج الغلام من عند الراهب ، ورجع إلى المدينة ، فقابله بعض أهلها ، وقال له : إن عندنا مرضى ونريد أن تشفيهم .
الغلام : الشافي هو الله ، وأنا لا أفعل شيئًا بقدرة من نفسي ، وإنما بإذن الله القادر .
.... وهكذا ، كان الغلام يبرىء المرضى ، ويداوي الناس من كل الأدواء بإذن الله .
وسمع جليس للملك كان قد عمي بشفاء هؤلاء المرضى ، فحمل الهدايا الكثيرة وأتى بها إلى بيت الغلام ، ودار بينهما الحوار التالي :
جليس الملك : لقد سمعت عن معجزاتك فى شفاء المرضى ، وكل ما أملكه هو لك إن أنت شفيتني .
الغلام : إني لا أشفي أحدًا . إنما يشفي الله تعالى ، فإن آمنت بالله تعالى دعوت الله فشفاك .
جليس الملك : آمنت بالله العظيم .
الغلام : اللهم رد عليه بصره .
.... واستجاب الله دعاء الغلام ، فرد على جليس الملك بصره ، فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس ، فقال له الملك : من رد عليك بصرك ؟
جليس الملك : ربي .
الملك : وهل لك رب غيري ؟
جليس الملك : ربي وربك الله .
الملك : إذن ، فقد ذهبت إلى الغلام ، وهو الذى شفاك بسحره .
جليس الملك : الغلام ليس بساحر ، وما حدث لي معجزة لا يقدر عليها الغلام ولا الساحر .. لا يقدر عليها إلا رب العالمين القادر على كل شىء ، وإني أدعوك أيها الملك إلى عبادة الله وحده لا شريك له .
الملك : عبادة الله ؟! أنا أصير عبدًا ؟!! إنني الرب الأعلى .. لا رب سواي ولا إله غيري .. لئن اتخذت لك إلهًا غيري لأسجننك ولأعذبنّك عذابًا أليمًا .
.... أيها الحراس .. أيها الحراس .. خذو هذا اللعين فعذّبوه عذابًا شديدًا ولا تتركوه حتى يدلنا على مكان الغلام .
..... ولم يزل الملك يعذّب هذا الذى كان جليسه حتى دل على مكان الغلام ، وعندها صرخ الملك : أيها الحرّاس ، إذهبوا ولا تعودوا إلا بالغلام .
وذهب الحراس إلى مكان الغلام ، وأحضروه إلى الملك ودار بينه وبين الغلام الحوار التالي :
الملك : أي بني ، قد بلغ من سحرك أنك تبرىء الأكمه والأبرص والأعمى ، وتفعل ما تفعل من المعجزات .
الغلام : إني لا أشفي أحدًا ، إنما يشفي الله .
الملك : خذوا هذا الغلام من أمامي ... خذوه أيها الحراس فعذبوه عذابًا شديدًا ولا تدعوه حتى يدل على مكان الراهب .
وأخذ الحراس يعذبون الغلام ، وكان الغلام كلما اشتد به التعذيب ، تذكّر وصية الراهب : " فإذا تعرضت للبلاء فلا تدل على مكاني " ؛ فيتحمل التعذيب الشديد ، ولا يتفوّه بكلمة واحدة .
ولكنه فى النهاية ، وتحت التعذيب الذى لا يتحمّله بشر دلّهم على مكان الراهب !
وهنا أخذ الملك يضحك بجنون وهو يصرخ : أنا رب هذا الكون ، أنا إله الناس الذى يملك رقابهم وأرواحهم .
وأخذ الغلام يردد : الله وحده هو رب الكون وملك الناس ، وأنت لا تملك لنفسك نفعًا ولا ضرًا ، ولا تملك لنفسك موتًا ولا حياة ولا نشورًا .. وإن كنت لا تملك ذلك لنفسك ، فكيف تملكه لغيرك ؟!
الملك : ها ها .. ها ها .. أنا الإله الوحيد ، لا إله غيري ، ولا حاكم سواي .
الغلام : لا إله إلا الله ، ولا حاكم سواه .
الملك : سوف أجعلك عبرة لمن يفكر فى الخروج عن عبادتي . سوف أقتلك وأقضي عليك .
الغلام : الله وحده هو الذى يملك رقاب العباد ، وهو الذي خلق الموت والحياة .
... وبينما يردد الغلام هذه الكلمات ، كان الحرّاس قد أحضروا الراهب ، فدار بينه وبين الملك الحوار :
الملك : إرجع عن دينك ، وإلا عذبتك عذابًا شديدًا .
الراهب : لا أرجع عن ديني ، وإن قتلت وحرقت .
الملك : إنك لا تدري ما ينتظرك من العذاب ؟!
الراهب : بل أرجو الله أن يرزقني الشهادة فى سبيله فأفوز فى الدنيا والآخرة .
الملك : سترى ماذا سأفعل بك .. أيها الحراس ... أيها الحراس .. أحضروا المنشار ، وضعوه عند مفرق رأسه .
... ونفّذ الحراس أمر الملك ، ووضعوا المنشار عند مفرق رأس الراهب .. وعندها بدأ الملك يساومه :
الملك : إرجع عن دينك ، وسأهب لك حياتك .
الراهب : الله وحده هو المحيّ المميت .
الملك : أيها الحراس .. شقوه نصفين .
... وينفذ الحرّاس أمر الملك ، ويشقون الراهب إلى نصفين حتى يقع شقاه !!
عبد الرحمن : إن أهل الباطل لا يملكون فى مواجهة الحق حجة ولا برهانًا .. لا يملكون إلا التعذيب والتقتيل .
سمية : سوف ينتقم الله من هذا الملك ، ومن كل الحكام الجاحدين الظالمين فى الآخرة .
وللموضوع بقية إنشاء الله..............