فهذا الدين العظيم وهو الإسلام يحتاج من أهله إلي صبر ومصابرة وإخلاص لله ودعوة إليه وإيمان به وبرسله، والوقوف عند حدوده وترك لما نهي عنه عز وجل، هذا هو دين الله، الذي بعث به رسله وأنزل به كتبه، وهو الدين الذي بعث به نبيه محمداً عليه الصلاة والسلام، وهو توحيد الله والإخلاص له والإيمان برسوله محمد صلي الله عليه وسلم، والانقياد لشريعته قولاً وعملاً وعقيدة، واصله وأساسه شهادة ألا لا إله إلا الله، التي بعث بها جميع الرسل، فلا إسلام إلا بها من عهد نوح إلي عهد محمد عليه الصلاة والسلام، لا إسلام إلا بهذه الكلمة: " لا إله إلا الله " قولاً وعملاً وعقيدة، فيقول المسلم: " لا إله إلا الله " بلسانه ويصدقها بقلبه وأعماله، فيوحد الله، ويخصه بالعبادة، ويتبرأ من عبادة ما سواه، ولابد مع هذا من الشهادة للنبي بالرسالة عليه الصلاة والسلام، لابد من الإيمان بالله وحده وإخلاص العبادة له، لابد من التصديق للرسل الذين بعثوا بذلك من عهد محمد صلي الله عليه وسلم، لابد مع الشهادة بأنه: " لا إله إلا الله " والإيمان بالله : من تصديق نوح عليه الصلاة والسلام، فلا إسلام إلا بذلك.
وفي عهد هود كذلك لا إسلام إلا بتصديق هود عليه الصلاة والسلام، مع توحيد الله والإخلاص له، والإيمان بمعني لا إله إلا الله، وهكذا في عهد صالح لا إسلام إلا بذلك.. بتوحيد الله والإخلاص له، والإيمان بصالح، وأنه رسوب الله حقاً عليه الصلاة والسلام، وهكذا من بعدهم كل نبي يبعث إلي أمته، لابد في الإسلام من توحيد الله والإيمان بذاك الرسول الذي بعث إليهم وتصديقه، وآخرهم عيسي ابن مريم عليه الصلاة والسلام هو آخر أنبياء بني إسرائيل وآخر الأنبياء قبل محمد عليه الصلاة والسلام هو آخر أنبياء بني إسرائيل وآخر الأنبياء قبل محمد عليه الصلاة والسلام، غلا إسلام إلا لمن آمن به واتبع ما جاء به، ولما أنكرته اليهود وكذبوه صاروا كفاراً بذلك، ثم بعث وأتبع ما جاء به، ولما أنكرته اليهود وكذبوه صاروا كفاراً بذلك، ثم بعث الله محمداً صلي الله عليه وسلم خاتم الأنبياء وآخرهم، وجعل الدخول في الإسلام لا يتم ولا يصح إلا بالإيمان به عليه الصلاة والسلام، فلابد من توحي الله والإيمان بهذه الكلمة، وهي : " لا إله إلا الله " واعتقاد معناها. وأن معناها توحيد الله وإفراده بالعبادة، وتخصيصه بها دون كل ما سواه، مع الإيمان برسوله محمد عليه الصلاة والسلام، وأنه خاتم الأنبياء، لا نبي بعده، هكذا علم الرسول أمته عليه الصلاة والسلام، وهكذا دل كتاب الله علي ذلك، قال تعالي: {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـ كِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ }البقرة177، لابد من الإيمان بالنبيين جميعاً وآخرهم محمد عليه الصلاة والسلام، ولما سأل جبرائيل النبي صلي الله عليه وسلم عن الإيمان قال: " أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره " .
فلابد مع الإسلام وشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله من الإيمان بجميع الأنبياء والمرسلين السابقين، والإيمان بجميع الملائكة، والكتب المنزلة علي الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام جميعاً، ولابد من الإيمان بالقدر خيره وشره والإيمان باليوم الآخر، والبعث بعد الموت، والجنة والنار، وأن ذلك حق لابد منه، ولكن أصل ذلك وأساسه الإيمان بالله وحده، وأنه هو المستحق العبادة .
هذا هو الأصل، وهذا هو الأساس والبقية تابعة لذلك، فمن أراد الدخول في الإسلام والاستقامة عليه والفوز بالجنة والنجاة من النار، وأن يكون من أتباع محمد عليه الصلاة والسلام الموعودين بالجنة والكرامة فإنه لا يتم له ذلك إلا بتحقيق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
فتحقيق الأولي وهي ـ : " لا إله إلا الله " ـ بإفراد العبادة، وتخصيصه بها، والإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله من أمر الجنة والنار والكتب والرسل واليوم الآخر والقدر خيره وشره.
وأما تحقيق الثانية ـ وهي شهادة أن محمداً رسول الله ـ فبالإيمان به صلي الله عليه وسلم، وأنه عبد الله ورسوله أرسله الله إلي الناس كافة إلي الجن والإنس، يدعوهم إلي توحيد الله والإيمان به، إتباع ما جاء به رسول الله عليه الصلاة والسلام مع الإيمان بجميع الماضيين من الرسل والأنبياء، ثم بعد ذلك الإيمان بشرائع الله التي شرعها لعباده، علي يد رسوله محمد صلي الله عليه وسلم، والأخذ بها والاستمساك بها من صلاة وزكاة وصوم وحج وجهاد وغير ذلك.
وكان صلي الله عليه وسلم إذا سئل عن عمل يدخل به العبد الجنة وينجو به من النار قال له : " تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله " وربما قال له : " تعبد الله ولا تشرك به شيئاً " فعبر له بالمعني، فإن معني شهادة أن لا إله إلا الله : أن تعبد الله ولا تشرك به شيئاً .
ولهذا لما سأله جبرائيل عليه السلام في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: يا رسول الله، أخبرني عن الإسلام؟ قال: " الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئاً ".
وفي حديث عمر رضي الله عنه قال : " الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله "، فهذا يفسر هذا: فإن شهادة أن لا إله إلا الله : معناها إفراد الله بالعبادة، وهذا هو عبادة الله وعدم الإشراك به مع الإيمان برسوله عليه الصلاة والسلام.
وجاءه رجل فقال : يا رسول الله : دلني علي عمل أدخل به الجنة وأنجو من النار قال: " تعبد الله ولا تشرك به شيئاً "، ثم قال : " وتقيم الصلاة " إلي آخره .
فعبادة الله وعدم الإشراك به هذا هو معني لا إله إلا الله، قال الله تعالي : {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ }محمد19، يعني : أعلم أنه المستحق للعبادة، وأنه لا عبادة لغيره، بل هو المستحق لها وحده، وأنه الإله الحق، الذي لا تنبغي العبادة لغيره عز وجل.
وإنكار المشركين لها يبين معناها: لأنهم إنما أنكروها لما علموا أنها تبطل آلهتهم وتبين أنهم علي ضلالة ولهذا أنكروها فقالوا : {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً }ص5، { إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ{35} وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ{36}الصافات.... فعرفا أنها تبطل آلهتهم وتبين زيفها، وأنها لا تصلح للعبادة، وأنها باطلة، وأن الإله الحق هو الله وحده سبحانه وتعالي.
ولهذا أنكروها فعبادتهم للأصنام أو الأشجار أو الأحجار، أو الأموات أو الجن أو غير ذلك عبادة باطلة.
فجميع المخلوقات ليس عندهم ضر ولا نفع، كلهم مملوكون لله سبحانه وتعالي، عبيده جل وعلا، فلا يصلحون للعبادة، لأن الله سبحانه خالق كل شيء وهو القائل سبحانه وتعالي : { وَإِلَـ هُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ }البقرة163، وقال جل وعلا : {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً }طه98، فالواجب علي كل مكلف، وعلي كل مؤمن ومؤمنة من الجن الإنس التبصير في هذا الأمر، وأن يعتني به كثيراً، حتي يكون جلياً عنده، واضحاً لديه، لأن أصل الدين وأساسه عبادة الله وحده، وهو معني شهادة أن لا إله إلا الله، أي : لا معبود بحق إلا الله وحده سبحانه وتعالي، ويضاف إلي ذلك الإيمان بالرسل وبخاتمهم محمد عليه الصلاة والسلام، لابد من ذلك مع الإيمان بملائكة الله، وكتب الله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره والإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله.
كل ذلك لابد منه في تحقيق الدخول في الإسلام، كما سبق بيان ذلك.
وكثير من الناس يظن أن قول : لا إله إلا الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله يكفيه ولو فعل ما فعل، وهذا من الجهل العظيم، فإنها ليست كلمات تقال، بل كلمات لها معني لابد من تحقيقه بأن يقولها ويعمل بمقتضاها، فإذا قال: لا إله إلا الله، وهو يحارب الله بالشرك وعبادة غيره فإنه ما حقق هذه الكلمة، فقد قالها المنافقون وعلي رأسهم عبد الله بن أبي سلول، وهم مع ذلك في الدرك الأسفل من النار، كما قال عز وجل : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً }النساء145 لماذا؟!، لأنهم قالوها باللسان، وكفروا بها بقلوبهم، ولم يعتقدوها ولم يعملوا بمقتضاها، فلا ينفعهم قولها بمجرد اللسان.
وهكذا من قالها من اليهود والنصارى وعباد الأوثان، كلهم علي هذا الطريق، لا تنفعهم حتي يؤمنوا بمعناها، وحتى يخصوا الله بالعبادة، وحتى ينقادوا لشرعه.
وهكذا أتباع مسيلمة الكذاب والأسود العنسي والمختار بن أبي عبيد الثقفي الذين ادعوا النبوة وغيرهم، يقولون لا إله إلا الله، وأن محمداًُ رسول الله، لكن لما صدقوا من ادعي أنه نبي بعد محمد صلي الله عليه وسلم كفروا، وصاروا مرتدين، لأنهم كذبوا قول الله تعالي : { مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً }الأحزاب40، فهو خاتمهم وآخرهم، ومن ادعي بعده أنه نبي أو رسول صار كافراً ضالاً، وهكذا من صدقه كأتباع مسيلمة في اليمامة والأسود العنسي في اليمن والمختار في العراق وغيرهم لما صدقوا هؤلاء الكذابين بأنهم أنبياء، كفر من صدقهم بذلك واستحقوا أن يقاتلوا.
فإذا كان من ادعي مقام النبوة يكون كافراً: لأنه ادعي ما ليس له في هذا المقام العظيم، وكذب علي الله ـ فكيف بالذي يدعي مقام الإلوهية، وينصب نفسه ليعبد من دون الله، لاشك أن هذا أولي بالكفر والضلال.
فمن يعبد غير الله، ويصرف له العبادة، ويوالي علي ذلك ويعادي عليه ـ فقد أتي أعظم الكفر والضلال.
فمن شهد لمخلوق بالنبوة بعد محمد عليه الصلاة والسلام فهو كافر ضال، فلا إسلام ولا إيمان إلا بشهادة : أن لا إله إلا الله قولاً وعملاً وعقيدة، وأنه لا معبود بحق سوي الله، ولابد من الإيمان بأن محمداً رسول الله، مع تصديق الأنبياء الماضيين والشهادة لهم بأنهم بلغوا الرسالة عليهم الصلاة والسلام.
ثم بعد ذلك يقوم العبد بما أوجب الله عليه من الأوامر والناهي، هذا هو الأصل لا يكون العبد مسلماً إلا بهذا الأصل: بإفراد الله بالعبادة والإيمان بما دلت عليه، هذه الكلمة : " لا إله إلا الله "، ولابد مع ذلك من الإيمان برسول الله والأنبياء قبله، وتصديقهم واعتقاد أنهم بلغوا الرسالة وأدوا الأمانة عليهم الصلاة والسلام، وكثير من الجهلة كما تقدم يظن أنه متى قال: لا إله إلا الله وشهد أن محمداً رسول الله فإنه يعتبر مسلماًُ ولو عبد الأنبياء أو الأصنام أو الأموات أو غير ذلك، وهذا من الجهل العظيم والفساد الكبير والضلال البعيد، بل لابد من العمل بمعناها والاستقامة عليه، وعدم الإتيان بضد ذلك قولاً وعملاً وعقيدة، ولهذا يقول جل وعلا في سورة فصلت : { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ{30} نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ{31}.
والمعني أنهم قالوا: ربنا الله ثم استقاموا علي ذلك، ووحدوه وأطاعوه واتبعوا ما يرضيه، وتركوا معاصيه، فلما استقاموا علي ذلك صارت الجنة لهم، وفازوا بالكرامة، وفي الآية الأخرى من سورة الأحقاف قال سبحانه : { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ{13} أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{14}. فعليك يا عبد الله بالتبصير في هذا الأمر والتفقه فيه بغاية العناية، حتي تعلم أنه الأصل الأصيل والأساس العظيم لدين الله، فإنه لا إسلام ولا إيمان إلا بشهادة أن لا إله إلا الله قولاً وعملاً وعقيدة، والشهادة بأن محمداً رسول الله قولاً وعملاً وعقيدة، والإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله عما كان وما سيكون، ثم بعد ذلك تأتي بأعمال الإسلام من صلاة وزكاة وصوم وغير ذلك.
ولا ينبغي لعاقل أن يغتر بدعاة الباطل، ودعاة الشرك الذين دعوا غير الله، وأشركوا بالله غيره، وعبدوا المخلوقين من دون الله، وزعموا أنهم بذلك لا يكونون كفاراً، لأنهم قالوا : " لا إله إلا الله " قالوها بالألسنة، ونقضوها بأعمالهم وأقوالهم الكفرية، قالوها وأفسدوها بشركهم بالله، وعبادة غيره سبحانه وتعالي، فلم تعصم دماءهم ولا أموالهم، ففي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال : " أمرت أن أقاتل الناس حتي يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم علي الله عز وجل".
هكذا بين النبي صلي الله عليه وسلم أنه لابد من هذه الأمور.. وفي حديث طارق ابن أشيم الأشجعي رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال : " من قال لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه علي الله عز وجل " ... وفي اللفظ الآخر : " من وحد الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه " أخرجهما الإمام مسلم في صحيحه.
فأبان النبي صلي الله عليه وسلم بهذين الحديثين وأمثالهما أنه لابد من توحيد الله والإخلاص له، ولابد من الكفر بعبادة غيره، وإنكار ذلك والبراءة منه، مع التلفظ بالشهادتين وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأداء بقية الحقوق الإسلامية.. وهذا هو الإسلام حقاً، وضده الكفر بالله عز وجل.
وهذا الأصل يجب التزامه والسير عليه، وهو أن توحد الله، وتخلص له العبادة أينما كنت مع أداء الحقوق التي فرضها الله، وترك ما حرم الله عليك، وبهذا تكون مسلماً، مستحقاً لثواب الله ولكرامته سبحانه وتعالي في الدنيا والآخرة، ولذلك أنزل الله قوله جل وعلا : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }الذاريات56، فبين الحكمة في خلقهم، وهي أن يعبدوا الله وحده، وأنهم لم يخلقوا عبثاً ولا سدي، بل خلقوا لهذا الأمر العظيم: ليعبدوا الله جل وعلا، ولا يشركوا به شيئاً، ويخصوه بدعائهم وخوفهم ورجائهم وصلاتهم وصومهم، وذبحهم ونذرهم وغير ذلك. وقد بعث بهذا الأمر الرسل، كما قال عز وجل : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ }النحل36.
فكل من أتي بناقض من نواقض الإسلام أبطل هذه الكلمة، لأن هذه الكلمة إنما تنفع أهلا إذا عملوا بها واستقاموا عليها، فأفردوا الله بالعبادة وخصوه بها، وتركوا عبادة ما سواه واستقاموا علي ما دلت عليه من المعني، فأطاعوا أوامر الله وتركوا نواهي الله، ولم يأتوا بناقض ينقضها.
وبذلك يستحقون كرامة الله، والفوز بالسعادة والنجاة من النار.
أما من نقضها بقول أو عمل فإنها لا تنفعه ولو قالها ألف مرة في الساعة الواحدة، فلو قال : لا إله إلا الله وشهد أن محمداً رسول الله وصلي وصام وزكيّ وحج ولكنه يقول : إن مسيلمة الكذاب ـ الذي خرج في عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم ثم في عهد الصحابة يدعي أنه رسول الله ـ لو قال إنه صادق كفر ولم ينفعه كل شيء.
أو قال إن المختار بن أبي عبيد الثقفي الذي ادعي النبوة في العراق إنه نبي صادق وأن الذين قاتلوه أخطأوا في قتاله.
أو قال في حق الأسود العنسي الذي ادعي في اليمن أنه نبي، أو من بعدهم من الكذابين: إنهم صادقون يكون كافراً، ولو قال: لا إله إلا الله، وكررها آلاف المرات.
وهكذا لو قالها وهو يعبد البدوي أو يعبد الحسين أو يعبد ابن علوان أو العيدروس، أو يعبد النبي محمداً صلي الله عليه وسلم، أو يعبد ابن عباس رضي الله عنهما، أو يعبد الشيخ عبد القادر الجيلاني، أو غيرهم يدعوهم ويستغيث بهم،وينذر لهم، ويطلب منهم المدد العون ـ لم تنفعه هذه الكلمة، وهي " لا إله إلا الله "، وصار بذلك كافراً ضالاً، وناقضاً لهذه الكلمة، مبطلاً لها.
وهكذا لو قال لا إله إلا الله، وصلي وصام ولكنه يسب النبي صلي الله عليه وسلم، أو ينتقصه أو يهزأ به، أو يقول: إنه لم يبلغ الرسالة كما ينبغي، بل قصر في ذلك، أو يعيبه بشيء من العيوب، صار كافراًُ، وإن قال لا إله إلا الله آلاف المرات، وإن صلي وصام، لأن هذه النواقض تبطل دين العبد الذي يأتي بها، ولهذا ذكر العلماء رحمهم الله في كتبهم باباً سموه : باب حكم المرتد، وهو الذي يكفر بعد إسلامه، وذكروا فيه أنواعاً من نواقض الإسلام منها ما ذكرناه آنفاً.
وهكذا لو قال لا إله إلا الله، وجحد وجوب الصلاة، فقال : إن الصلاة ليست واجبة، أو الصوم ليس واجباً، أو الزكاة ليست واجبة، أو الحج ليس واجباً مع الاستطاعة ـ كفر إجماعاً ولم ينفع قوله : لا غله إلا الله أو صلاته أو صومه إذا جحد وجوب ذلك، ولو صام وصلي وتعبد، ولكنه يقول إن الزني حلال، أو غيره مما أجمعت الأمة علي تحريمه كفر عند جميع المسلمين، ونقض دينه بهذا القول، وإن قال: لا إله إلا الله، وشهد أن محمداً رسول الله وصلي وصام، لأنه بتحليله الزني صار مكذباً لله الذي حرمه بقوله سبحانه وتعالي: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً }الإسراء32 .
وهكذا لو قال: إن الخمر أو الميسر حلال ـ كفر ولو صلي وصام، ولو قال: لا إله إلا الله فإنه يصير مشركاً كافراً عند جميع المسلمين لأنه مكذب لله في قوله سبحانه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }المائدة90. لكن إن كان من قال ذلك مثله يجهل الحكم لكونه نشأ في بلاد بعيدة عن المسلمين، بيّن له حكم ذلك بالأدلة الشرعية، فإذا أصر علي حل الزني أو الخمر ونحوهما من المحرمات المجمع عليها ـ كفر إجماعاً.
والمقصود كم هذا أن يعلم أن الدخول في الإسلام والنطق بهذه الكلمة: " لا إله إلا الله "، والشهادة بأن محمداً رسول الله لا يكفي في عصمة الدم والمال، إذا أتي قائلها بما ينقضه.
وهكذا لو أن إنساناً صلي وصام وتعبد وقال هذه الكلمة آلاف المرات في كل مجلس، ثم قال مع ذلك: إن أمه حلال، له أن يجامعها، أو بنته أو أخته. كفر عند جميع المسلمين، وصار مرتداً بذلك لكونه استحل ما حرّم الله، بالنص والإجماع، وهكذا لو كذب نبياً من الأنبياء، وقال: إن محمداً رسول الله، وأنا مؤمن به وموحد لله، وأقول لا إله إلا الله، ولكني أقول إن عيسي ابن مريم كذاب ليس برسول لله، أو موسي أو هارون أو داود أو سليمان أو نوحاً أو هوداً أو صالحاً أو غيرهم ممن نص القرآن علي نبوته ليسوا أنبياء، أو سبهم كفر إجماعاً ولم ينفعه قول لا إله إلا الله ولا شهادة أن محمداً رسول الله، ولا صلاته ولا صومه لأنه أتي بما يكذب به الله ورسوله، وطعن في رسل الله
وللموضوع بقية إنساء الله ........................