بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلي الهدي ويصبرون منهم علي الأذى. يحيون بكتاب الله الموتى ويبصرون بنور الله أهل العمى: فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم علي الناس وما أقبح أثر الناس عليهم.
وأشهد أن لا إله إلا الله حده لا شريك له وأشهد أن محمداً رسول الله.
وبعد....
لاشك أن الأمل ينعقد بعد الله عز وجل علي العلماء، في إحياء الأمة، وإخراجها من التبعية إلي الريادة، ومن الاستضعاف إلي التمكين، ومن الفرقة والضعف إلي الائتلاف والقوة.
ولاشك أن العلماء الذي ينعقد عليهم هذا الأمل هم العلماء الربانيون الذين يعايشون الإسلام واقعاً، ويدعون إلي الله بهديهم وسمتهم قبل أن يدعوا إليه بلسانهم.
العلماء الربانيون الذين يدركون أن لهم دوراً أساسياً في ترشيد الحكم ومجابهة الظالمين من الحكام.
العلماء الربانيون الذين يقومون بتربية الأمة علي أخلاق الإسلام، ويحرصون علي تماسكها الاجتماعي، ويعملون علي حسم الاختلاف والفرقة وجمع كلمة الأمة علي الحق.
العلماء الربانيون الذين يبرزون في ميادين القتال كقادة للأمة في حفظ الثغور ودفع الأعداء، ورفع راية الدين لتكون كلمة الله هي العليا.
العلماء الربانيون الذين يقومون قبل ذلك وبعده.. بالمحافظة علي عقيدة أهل السنة والجماعة، وإقامة الفرقان بينها وبين عقائد أهل البدع الضالين.
ولقد حفظت ذاكرة تاريخ هذا الدين أسماء كريمة لعلماء عاشوا قضية هذا الدين وحملوا لواءه.
كان " أحمد بن حنبل " بطلاً من أبطال التاريخ الإسلامي، الذين ابتلوا فأحسنوا البلاء وصبروا في سبيل ما يعتقدون صبراً جميلاً، ولم يقبلوا الدنية في دينهم، بل آثروا الباقية علي الفانية في سبيل الله.
وتلقي ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب وغيره راية الهداية من أحمد ابن حنبل إمام أهل السنة علي بعد ما بينهم وبينه من عصور...
فكان ابن تيمية قائداً لحركة تغييريه في عصره، وترك للأمة تراثاً إسلامياً يمثل الترسانة الفكرية التي لازالت تمد الحركات الإصلاحية بالأفكار النموذجية للتغيير.
وكان محمد بن عبد الوهاب مجاهداً في سبيل إحياء حقيقة لا إله إلا الله في نفوس الأمة، وتجريد التوحيد لله عز وجل، وأطلقها من أول يوم في دعوته: ( هذه كلمة لا إله إلا الله من تمسك بها وعمل بها نصرها، ملك البلاد والعباد) ...
وهكذا تسلم راية الهداية من العلماء الجيل بعد الجيل، وقاموا يدعون إلي التوحيد الخالص بمفهومه السلفي الواضح علي ما كان عليه القرون الثلاثة الأولي قبل تشعب الأهواء واختلاط العقائد..
وعلي طريق أولئك العلماء نقدم هذه الرسالة لواحد منهم، وهو سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ـ حفظه الله ـ ونفعنا بعلمه ووفقه لمزيد العلم النافع العمل الصالح.
والرسالة عبارة عن محاضرة ألقاها سماحته في مسجد الأمير محمد بن عبد العزيز بالحوية مساء الخميس 13/1/1409هـ ، حول معني لا إله إلا الله .. التي هي أصل الدين وأساس الملة، والتي فرق الله بها بين الكافر والمسلم، ودعت إليها الرسل جميعاً، وأنزلت من أجلها الكتب، وخلق من أجلها الثقلان الجن والإنس.
وقد رأيت إتماماً للفائدة أن الحق بهذه المحاضرة بعض الفتاوى الهامة في نفس موضوع المحاضرة، .. والصادرة عن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
أسأل الله عز وجل أن ينفع بهذه الرسالة، وأن يجزل العطاء لشيخنا سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز،...
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين،،،
محمد محمد بدري
معني لا إله إلا الله
بيان معني كلمة " لا إله إلا الله "(1)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي رسول الله وعلي آله وأصحابه ومن سلك سبيله وأهتدي بهداه إلي يوم الدين. أما بعد:
أيها الإخوة في الله لقد رأت اللجنة التي وكل إليها توزيع الندوات والمحاضرات في هذا البلد أن يكون عنوان الكلمة هذه الليلة " بيان معني لا إله إلا الله " فوافقت علي ذلك لأن هذه الكلمة هي أصل الدين وأساس الملة وهي التي فرق الله بها الكافر والمسلم، وهي التي دعت إليها الرسل جميعاً وأنزلت من أجلها الكتب وخلق من أجلها الثقلان الجن والإنس، دعا إليها آدم أبونا عليه الصلاة والسلام وسار عليها هو وذريته إلي عهد نوح، ثم وقع الشرك في قوم نوح فأرسل إليهم نوحاً عليه الصلاة والسلام يدعوهم إلي توحيد الله ويقول لهم: يا قوم أعبدوا الله ما الكم من إله غيره، وهكذا هود وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب وغيرهم من الرسل كلهم دعوا أممهم إلي هذه الكلمة، إلي توحيد الله والإخلاص له وترك عبادة ما سواه وآخرهم وخاتمهم وأفضلهم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام بعثه الله إلي قومه بهذه الكلمة وقال لهم يا قوم: " قولوا لا إله إلا الله تفلحوا " وأمرهم بإخلاص العبادة لله وحده وأن يدعوا ما عليه آباؤهم وأسلافهم من الشرك بالله وعبادة الأصنام والأوثان والأشجار والأحجار وغير ذلك، فاستنكرها وقالوا: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ }ص5، لأنهم قد اعتادوا عبادة الأصنام والأوثان والأولياء والأشجار وغير ذلك والذبح لهم والنذر لهم وطلبهم قضاء الحاجات وتفريج الكروب فاستنكروا هذه الكلمة، لأنها تبطل آلهتهم ومعبوداتهم من دون الله. وقال سبحانه في سورة الصافات: { إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ{35} وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ{36}الصافات.
سموا النبي عليه الصلاة والسلام شاعراً مجنوناً بجهلهم وضلالهم وعنادهم وهم يعلمون أنه أصدق الناس وأنه الأمين وأنه أعقل الناس وأنه ليس بشاعر ولكنه الجهل والظلم والعدوان والمغالطة والتكذيب والتشبيه علي الناس، فكل من لم يحقق هذه الكلمة ويعرف معناها ويعمل به فليس مسلم، فالمسلم هو الذي يوحد الله ويخصه بالعبادة دون كل ما سواه، فيصلي له ويصوم له ويدعوه وحده ويستغيث به وينذر ويذبح له إلي غير ذلك من أنواع العبادات، ويعلم يقينا أن الله سبحانه هو المستحق للعبادة وأن ما سواه لا يستحقها سواء كان نبياً أو ملكاً أو ولياً أو صنماً أو شجراً أو جنياً أو غير ذلك كلهم لا يستحقون العبادة بل هي حق لله وحده، ولهذا قال الله عز وجل : {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ }الإسراء23، يعني أمر وأوصي ألا تعبوا إلا إياه، وهذا هو معني "لا إله إلا الله ". وهو أنه لا معبود حق إلا الله، فهي نفي وإثبات: نفي للإلهية عن غير الله وإثبات لها بحق لله وحده سبحانه وتعالي، فالإلهية التي يوصف بها غير الله باطلة وهي لله وحده بحق ثابتة له سبحانه وتعالي كما قال عز وجل: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ }الحج62، فالعبادة لله وحده دون كل ما سواه، وأما صرف الكفار لها لغيره سبحانه فذلك باطل ووضع لها في غير محلها، قال الله تعالي : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }البقرة21، وقال سبحانه في سورة الفاتحة وهي أعظم سورة : {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }الفاتحة5، أمر الله المؤمنين أن يقولوا هكذا : إياك نعبد وإياك نستعين، يعني نعبدك وحدك وإياك نستعين وحدك، وقال عز وجل : {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً }النساء36.
وقال سبحانه : {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء }البينة5، وقال عز وجل : {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ }غافر14، وقال عز وجل : { فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ* أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}الزمر2 ،3، إلي غير ذلك من آيات كثيرات كلها تدل علي أنه سبحانه هو المستحق للعبادة وأن المخلوقين لا حظ لهم فيها وهذا هو معني لا إله إلا الله وتفسيرها وحقيقتها تخص العبادة بحق بالله وحده وتنفيها بحق عما سواه.ومعلوم أن عبادة غير الله موجودة وقد عبدت أصنام وأوثان من دون الله وعبد فرعون من دون الله وعبدت الملائكة من دون الله، وعبدت الرسل من دون الله، وعبد الصالحون من دون الله كل ذلك قد وقع ولكنه باطل وهو خلاف الحق، والمعبود بالحق هو الله وحده سبحانه وتعالي.
وكلمة لا إله إلا الله نفي وإثبات كما سبق، نفي للعبادة بحق عن غير الله كائناً من كان وإثبات العبادة لله وحده بالحق كما قال عز وجل وعلا عن إبراهيم الخليل عليه السلام أنه قال لأبيه وقومه : { إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ{26} إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ{27} وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ {28}الزخرف،وقال سبحانه : {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ }الممتحنة4، وهذا قول الرسل جميعاً لأن قوله سبحانه :{ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ} ، يعني به الرسل جميعاً وهم الذين معه من أولهم إلي آخرهم ودعوتهم دعوته وكلمتهم هي البراءة من عبادة غير الله ومن المعبودين من دون الله الذين رضا بالعبادة لهم ودعوا إليها، فالمؤمن يتبرأ مننهم وينكر عبادتهم ويؤمن بالله وحده المعبود بالحق سبحانه وتعالي، ولهذا قال سبحانه في الآية السابقة عن إبراهيم أنه قال لأبيه وقومه: { إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ{26} إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي }[ الزخرف ] وهو الله سبحانه وتعالي الذي فطره وفطر غيره فإنه لا يتبرأ من عبادته وإنما يتبرأ من عبادة غيره، فالبراءة تكون من عبادة غيره سبحانه، أما هو الذي فطر العباد وخلقهم وأوجدهم من العدم وغذاهم بالنعم فهو المستحق العبادة سبحانه وتعالي، فهذا هو مدلول هذه الكلمة ومعناها ومفهومها، وحقيقتها البراءة من عبادة غير الله وإنكارها واعتقاد بطلانها والإيمان بأن العبادة بحق لله وحده سبحانه وتعالي وهذا معني قوله جل وعلا { فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }البقرة256، ومعني يكفر بالطاغوت ينكر عبادة الطاغوت ويتبرأ منها، والطاغوت: اسم لكل ما عبد من دون الله، فكل معبود من دون الله يسمي طاغوتاً، فالأصنام والأشجار والأحجار والكواكب المعبودة من دون الله كلها طواغيت، وهكذا من عبد وهو راض كفرعون ونرد وأشباههما يقال له طاغوت، وهكذا الشياطين طواغيت لأنهم يدعون إلي الشرك، وأما من عبد من دون الله ولم يرض بذلك كالأنبياء والصالحين والملائكة فهؤلاء ليسوا طواغيت وإنما الطاغوت الشيطان الذي دعا إلي عبادتهم من جن وإنس، أما الرسل والأنبياء الصالحون والملائكة فهم براء من ذلك وليسوا طواغيت لأنهم أنكروا عبادتهم وحذروا منها وبينوا أن العبادة حق الله وحده سبحانه وتعالي كما قال جل وعلا : { فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ } سورة البقرة 256 يعني ينكر عبادة غير الله ويتبرأ منها ويجحدها ويبين أنها باطلة { وَيُؤْمِن بِاللّهِ } يعني بأن الله هو المعبود بالحق وأنه هو المستحق للعبادة وأنه رب العالمين وأنه الخلاق العليم رب كل شيء ومليكه العالم بكل شيء والقاهر فوق عباده وهو فوق العرش فوق السماوات سبحانه وتعالي، وعلمه في كل مكان وهو المستحق العبادة جل وعلا، فلا يتم الإيمان ولا يصح إلا بالبراءة من عبادة غير الله وإنكارها واعتقاد بطلانها، والإيمان بأن الله هو المستحق للعبادة سبحانه وتعالي، وهذا هو معني قوله سبحانه في سورة الحج : { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ }الحج62، وفي سورة لقمان : {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ }لقمان30، وهو معني الآيات السابقات وهي قوله سبحانه : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ }البقرة21، وقوله جل وعلا {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً }النساء36، وقوله عز وجل : {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء }البينة5، إلي غير ذلك من الآيات.
وكان الناس في عهد آدم وبعده إلي عشرة قرون كلهم علي توحيد الله كما قال ابن عباس رضي الله عنهما. ثم وقع الشرك في قوم نوح فعبدوا مع الله ودّاً وسواعاً ويغوث ويعوق ونسراً كما ذكر الله ذلك في سورة نوح، فأرسل الله إليهم نوحاً عليه الصلاة والسلام يدعوهم إلي توحيد الله وينذرهم نقمة الله وعقابه، فاستمروا في طغيانهم وكفرهم وضلالهم ولم يؤمن به منهم إلا القليل، فأكثرهم ومعظمهم واستكبروا عن ذلك كما بين الله ذلك في كتابه العظيم، فماذا فعل الله بهم؟ فعل بهم ما بينه لنا في كتابه العظيم من إهلاكهم بالطوفان وهو الماء العام الذي ملأ الأرض وعلا فوق الجبال وأغرق الله به من كفر بالله وعصي رسوله نوح ولم ينج إلا من كان مع نوح في السفينة كما قال سبحانه: { فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ }العنكبوت15، وهذا عقابهم في العاجل في الدنيا، ولهم عقاب آخر في الآخرة وهو العذاب في النار يوم القيامة نسأل الله العافية. ثم جاءت عاد بعد ذلك وأرسل الله إليهم هوداً بعد نوح، فسلكوا مسلك من قبلهم من قوم نوح في العناد والكفر بالله والضلال، فأرسل الله عليهم الريح العقيم فأهلكوا عن آخرهم ولم ينج منهم إلا من آمن بهود وهم القليل. ثم جاء بعدهم قوم صالح وهم ثمود فسلكوا مسلك من قبلهم من الأمتين أمة نوح وأمة هود فعصوا الرسل واستكبروا عن الحق فأخذهم الله بعقاب الصيحة والرجفة حتى هلكوا عن آخرهم ولم ينج إلا من آمن بنبيه صالح عليه الصلاة والسلام. ثم جاء بعدهم الأمم الأخرى أمة إبراهيم وأمة لوط وشعيب وأمة يعقوب وإسحاق ويوسف. ثم جاء بعدهم موسي وهارون وداود وسليمان وغيرهم من الأنبياء كلهم دعوا الناس إلي توحيد الله كما أمروا، قال الله تعالي : {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ }النحل36، وقال الله تعالي : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ }الأنبياء25، وكلهم أدوا ما عليهم من البلاغ والبيان عليهم الصلاة والسلام، بلغوا الرسالة وأدوا الأمانة ونصحوا الأمة وبينوا لهم معني هذه الكلمة: " لا إله إلا الله " وبينوا أن الواجب إخلاص العبادة لله وحده وأنه هو الذي يستحق العبادة دون كل ما سواه، وان الأشجار والأحجار والأصنام والكواكب والجن والإنس وغيرهم من المخلوقات كلهم لا يصلحون للعبادة يجب أن تصرف لله وحده.
وفرعون لما بغي وطغي وعاند موسي وخرج لقتله ساقه الله جل وعلا للبحر وأغرقه ومن معه فيه في لحظة واحدة، وهذا عذاب معجل وهو الغرق وبعده عذاب النار، نسأل الله العافية والسلامة.
ونبينا محمد عليه الصلاة والسلام ودعا الناس إلي عبادة الله وبشر بالجنة من آمن وحذر بالنار من كفر، فآمن من آمن وهم القليل في مكة، ثم بسبب الأذى له ولأصحابه أمره الله بالهجرة إلي المدينة، فهاجر إليها ومن آمن معه ممن استطاع الهجرة، فصارت المدينة دار الهجرة، والعاصمة الأولي للمسلمين، وانتشر فيها دين الله، وقامت فيها سوق الجهاد بعد تعب عظيم، وإيذاء شديد من قريش وغيرهم لرسول الله صلي الله عله وسلم وللمؤمنين معه في مكة.
كل ذلك من أجل هذه الكلمة : " لا إله إلا الله " الرسل تدعو إليها ومحمد خاتمهم عليه الصلاة والسلام يدعو إلي ذلك، يدعو إلي الإيمان يها، واعتقاد معناها، وتعطيل الآلهة التي عبدوها من دون الله وإنكارها وإخلاص العبادة لله وحده، والمشركون يأبون ذلك، ويقولون إنهم سائرون علي طريقة أسلافهم، ويقولون :{ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ }الزخرف23.
فأمة العرب الذين بعث فيهم النبي صلي الله عليه وسلم، سلكوا مسلك من قبلهم في العناد والكفر والضلال والتكذيب، ونبينا عليه الصلاة والسلام طيلة ثلاث عشرة سنة في مكة، يدعوهم إلي توحيد الله، وغلي ترك الشرك بالله، فلم يؤمن به إلا القليل، وهكذا بعد الهجرة إلي المدينة، استمروا في طغيانهم، وقاتلوه يوم بدر، ويوم أحد، ويوم الأحزاب عناداً وكفراً وضلالاً، وساعدهم من ساعدهم من كفار العرب، ولكن الله جلت قدرته أيد نبينه والمؤمنين وأعانهم، وجري ما جري يوم بدر من الهزيمة علي أعداء الله، والنصر لأولياء الله، ثم جري ما جري يوم أحد من الامتحان الذي كتبه الله علي عباده، وحصل ما حصل من الجراح والقتل علي المسلمين بأسباب بينها في كتابه العظيم سبحانه وتعالي، ثم جاءت وقعة الأحزاب بين الرسول صلي الله عليه وسلم وبين أهل الكفر، فأعز الله جنده ونصر عبده وأنزل بأسه بالكفار، فرجعوا خائبين لم ينالوا خيراً ونصراً عبده وأنزل باسه بالكفار، فرجعوا خائبين لم ينالوا خيراًُ ونصر الله المسلمين ذد أعدائهم، ثم جاءت بعد ذلك غزوة الحديبية عام ست من الهجرة، وحصل فيها ما حصل من الصلح بين الرسول صلي الله عليه وسلم وأهل مكة،والمهادنة عشر سنين حتي يأمن الناس، وحتى يتصل بعضهم ببعض، وحتى يتأملوا دعوته عليه الصلاة والسلام وما جاء به من الهدي، ثم نقضت قريش العهد فغزاهم النبي صلي الله عليه وسلم عام ثمان من الهجرة في رمضان، وفتح الله عليه مكة، ودخل الناس في دين الله أفواجاً والحمد لله.
وللموضوع بقية إنشاء الله...................